من المعلوم لمن له فهم بالإسلام وقواعده أن الله عز وجل إذا حرّم أمرًا حرّم كل ما يؤدي إليه ، وضيّق السبل الموصلة للوقوع فيه ..
فلم يترك الشرع المسلم يحوم حول حمىً محرمٍ ، يسيل لعابه له شهوة وتوقًا ، وتلتهب جوارحه جؤارًا ورغبة حتى إذا سقط في الحرام قال : لم فعلت كذا ؟!
كلا .. بل وضع الإسلام إشارات التحذير ، والأضواء الحمراء واللافتات المنبهة لكل ذي عينين قبل أن يصل إلى الحرام بمسافة ، لكيلا يكون للناس حجة إذا حاسبهم على اجترائهم على المعصية ، وحين حرّم الإسلام الزنا حرّم أشياء كثيرة هي من الموطّئات له ، المؤديات إليه .
لذا فإننا لا نظن أن رجلاً يزني أو امرأة إلاّ بعد أن يخترق الكثير من المحاذير ، ويجترح العديد من المخالفات الممهدة للكبيرة الملطخـة .
ومن هذه الموطّئات ما هو أشبه بالبريد الشيطاني الذي يربط بين خائنة الأعين وساقطة الأفكار .. وهي في عصرنا كثيرة .. أذكر منها تمثيلاً لا حصرًا :-
الهاتف : أداة بريئة ولا غنى عنها ، وهي أشبه بالطفل ، إما أن يبقى على فطرته ، أو يهوِّده أصحابه أو ينصروه ، أو ينجسوه .
وقد جعله بعضهم رسولاً عصريًّا يؤدي رسالة من أخس الرسائل وأخبثها ، فصيّره لسان إبليس ، وساعي الرذيلة ، وتاجر الفاحشة ، تُستغل السرية المفروضة عليه ليكون أشبه بالقوّاد الذي يسعى في نقل العبارات الملتهبة ، والآهات الماجنة ، ويظل يلح على أذن الضحية ويلح ، حتى تنهار مقاومتها ، وتتراخى مناعتها ، فتستمرئ السماع ، ثم تتلهف إلى اجتياز طوره إلى ضرب المواعيد ، فاللقاء المحرم ..
* والعطر رسولٌ من رسل إبليس يقدر على أن يشد جمعًا حاشدًا من أنوفهم وعيونهم وخلاياهم ؛ ليفتشوا عن مصدر الشذى ، ومبعث الأريج ، وشياطين الأنس مهرة في الترويج لعطور فواحـة ، وانتقاء الأسماء الموحيـة لها من مثل :
Femme و Poison و Man و Ecstasy
ولا يخفى على مسلم أن الإسلام أوعد من تخرج متعطرة - ولو إلى المسجد - ووصف من تفعل ذلك ليشم الناس ريحها بأنها زانيـة !!
* والصوت الناعم سفيرٌ لا يقاوم ، بل هو قوة تدك كل مقاومة ، وتقضي على كل تمنّع ، لذلك أُمرت المرأة المسلمة التقية إن هي خاطبت الرجال أن تكلمهم بصوت جادٍّ ، لا ترقيق فيه ولا تكسر ، ولا خضوع ولا تأنُّث ، حتى تقطع آمال الفسقة ، وتسدّ الأبواب أمام المجّان الذين يجيدون الاستدراج والمسامرة } ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ ، وقُلْن قولاً معروفًا { ..
ولكم أسقط الكلام الرقيق أجسادًا ، ودك قلوبًا ، وقطع أواصر ، ولكم وقع رجال أسرى الصوت الناعم ، والتأنُّث المتبذل ، والبريد الإبليسي !!
* والمشية دليل أبلق ، وحجة ساطعة في الشهادة على حسن السلوك أو سوئه ، وشارة من شارات العفة أو السقوط ..
فالمسلمة إذا سارت سارت وقورًا لا تتثنى ولا تتأود ، بل تستر نفسها ، وتقيم خطاها ، وتخفي زينتها .
وقد نبهت السنة المشرفة المسلمة إذا هي سارت أن تأخذ بجوانب الطريق تأدبًا وتحصّنًا ، وألا تفضح بمشيتها زينتها المستورة { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن
..
* وأما العيون فهي السهام النافذات ، والشافعات المشفّعات ، وأداة من أدوات الرجيم المذؤوم ، يوجهها للدلالة على الشر ، وتيسير سبل الفتنة ؛ لذلك أُمرَ الرجل والمرأة كلاهما بغض البصر ، ولم يأذن الشرع إلا في النظرة الأولى القهرية ، أو نظرة الفجأة ، ونهى عن إحداد البصر ، فقال تعالى} :قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } وقال : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن { .
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : [ لا تتبع النظرةَ النظرةَ ؛ فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة ] .
* ومن أقوى المثيرات والمهيجات : الثياب المخالفة للضوابط الشرعية بسبب ضيق ، أو قصر ، أو انفراج أو اتساع ، أو نوع قماش ، أو مخالفة لطبيعة الأنوثة والحشمة ، أو غير ذلك من الأسباب ..
ولقد حرك إبليس أذنابه فتفننوا في دعوة المرأة المسلمة إلى الاستعانة بهذا البريد لإرسال الفساد والإفساد .. فتحرك رجال الموضة والأزياء ، وتحركت شركات أدوات التجميل ، وشركات الإكسسوارات النسائية .. واجتذبت عقول النساء وقلوبهن إلى قدوات من نساء الغرب يقلدنهن ، ويتبعن طريقتهن .. وتغنى المغنون للتليفون ، وللعيون ، وللمشية المتكسرة ، وللثوب المتهدل ، وللصوت وللعطر...
إن إبليس - عليه لعائن الله - يأمر بالفحشاء كما ذكر القرآن الكريم ، ويسهل الطريق إلى الانحراف والرذيلة ، ويقوم بدور القوّاد الحقير .. حتى إن هذه المهمة لفتت نظر أحد الشعراء المسلمين الذين تعجبوا من سلوك إبليس في رفضه السجود لآدم امتثالاً لأمر الله تعالى ، ثم رضاه أن يقوم بأخسِّ وظيفة وأدنأ عمل .. وظيفة النخّاس الوضيع ، بالجمع بين شخصين في الحرام :
عجبت من إبليس من تيهـه من سوء مــا أظهر من نبتتِه
تـاه على آدم في سجدةٍ وصار قوّادًا لذريته
فيا للعجب !!
_________________
..............................................................................